منذ ظهور مبدأ المساواة بين الجنسين (feminism) كتبَ المراقبون الغربيون بمقدار أوراق الشجر في حقوق المرأة في الإسلام، وقد جَعلَت تلك الكُتُب من الطرح الغربي معياراً توزَن به المرأة في بقية المجتمعات وكيفية التعامل معها، ويتجّه الغرب اليوم إلى نحو ما، نستطيع أن نُسمّيَه (الإطلاق في المحدود)، وهو أنّ الإنسان في كلّ عهد، يضفي صفة الإطباق على فكره وأعماله، من دون أن يلاحظ أنّ تلك الأفكار والرؤى والمعتقدات ستُدفن في العقد الآتي وستصبح في طيّ النسيان، ولا تتضح هذه الظاهرة في أمر كظهورها في مسألة حقوق المرأة وواجباتها، فإذا بُحثت تلك المسألة في عام 1900م في الغرب، وكانت المعايير تختلف فيها من وقت لآخر، فإنّها سوف تشهد أحكاماً ونتائج أخرى في عام 2100م.
والأحرى بالغرب، وبدلاً من تناول مسألة المرأة في الإسلام بالطعن والتشنيع وتهيئة مناخات لمرحلة جديدة من الحروب الصليبية، أن يدرس هذه المسألة من وجهة نظرٍ إسلامية، ومن ثمّ يطرح ما عنده من انتقادات على أساس المعايير التي عرفها وفهمها؛ قبل كلّ شيء يجب أن نعرف أنّ الأعراف الموجودة في المجتمع الإسلامي لم تكن أعرافاً ورسوماً إسلامية فقط، بل قد تكون رسوماً وعادات اعتادها المجتمع، وليس له ربط بالإسلام، في الشرق الأوسط مثلاً اعتادت بعض النساء غير المسلمات كاليهوديات والمسيحيات تغطيةَ شعورِهنّ ووضع قطعة من القماش عليه، وكذلك القناع الذي يغطي الوجه (الخمار)، فإنّه لم يُذكر في القرآن، ولم تستعمله النساء المحيطات بالنبيّ (ص)، ولكنّه أخذ من رسوم وعادات الإيرانيين والبيزانطيين.
ومع ملاحظة أنّ المرأة لم يكن لها حضور في الفعاليات الاجتماعية والسياسية إلى ما قبل المرحلة الجديدة في المجتمعات غير الإسلامية، كاليابان والصين، وبقية المجتمعات الآسيوية، فإنّ من غير الصحيح أن يوسم المجتمع الإسلامي بالدكتاتورية أو ما يسمونه (الطبيعة الأبوية) أي أنّ المجتمع الإسلامي يقتصر في إدارة شؤونه على الرجل فقط، ويفرض على المرأة قيوداً ويحدّ من نشاطاتها، وأنّ هذه الظاهرة كما يعتقدون هي الشاخص الواضح للإسلام.
إنّ التعاليم الدينية تعدّ المرأة والرجل متساويين عند الله، وعلى مستوى الشريعة، وتؤكّد على أنّ أحدهما يكمّل الآخر في الأسرة والمجتمع، وهذا التساوي بينهما في مقابل الله والشريعة لا يتنافى مع كون أحدهما يكمّل الآخر.
كثيرون سألوني: هل المرأة متساوية مع الرجل؟ وكان جوابي دائما هو: أنّهما متساويان نسبةً إلى الله وفي يوم القيامة وأمام القانون، لكنّهما ليسا متساويين في هذا العالم، وقد أشار إلى حقيقة تلك الاختلافات الكتّاب الأمريكيون تحت عنوان (رجال المرّيخ ونساء الزهرة).
إنّ بناء المجتمع الإسلامي مرسوم على أساس تماثل الرجل والمرأة لا على أساس الكمية مع وجود استثناءات في هذا السياق، فالرجل يؤمّن لقمة العيش، وبتعبير ديني (إمام الأسرة)، والمرأة في الواقع هي المديرة لشؤون البيت والرجل كالضيف عندها.
إنّ أوّل وظيفة للمرأة هي تربية الأطفال والحفاظ عليهم وتعليمهم في مراحلهم الدراسية الأولى، وهي أيضاً عماد البيت. إنّ الإسلام وكيفية المجتمعات التقليدية يعطي للأُمّومة والتدبير المنزلي للمرأة أهميةً كبرى، وقد قال الرسول (ص): "الجنّة تحتَ أقدامِ الأُمّهاتِ".
ولم يرجِّح في المجتمع الإسلامي يوماً ما عملُ المرأة في الخارج على وظيفتها في تربية الأطفال، من جهة أخرى، إنّ النظام الاقتصادي الذي كان حاكماً في المدن الإسلامية آنذاك كان من البساطة بمكان بحيث إنّ المرأة لم تضطر للخروج من بيتها أو ترك أولادها من أجل متطلبات الحياة.
فالطفل في نظر الإسلام يحتاج إلى الأُمّومة دائماً، بدلاً عن المربية والحاضنة، وهذا الحقّ أهم وآكد من كثير من الحقوق والتي يلهث وراءها الغرب.
وإنّ النساء المسلمات يتمتعن بقدرة وقوّة كبيرتين في بيوتهن، وأنا أعرف الكثيرات من الأُمّهات - من طرَف الأب والأُمّ - كن يحملن قدرة ومنعة تفوق بكثير قدرة الأُمّهات اليهوديات والإيطاليات، وكلّ مَن يدّعي أنّ المرأة ضعيفة في المجتمع الإسلامي ومحرومة ومظلومة فهو غير مُدرك للبناء والمسار الحياتي للمسلمين.
قد يُوجد بعض الرجال في المجتمع من الذين يقعون تحت سلطة نسائهم، لكنّ هذا ليس بأكثر مما يقع في مجتمعات أخرى، ومع ذلك وبالرغم من إرشاد القرآن وتأكيده على تكريم المرأة وحُسن معاملتها كما نقرأ في القرأن: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) (النساء/ 19) يُوجد من المسلمين مَن يُسيء معاملة زوجته، سواء في الماضي أو الحاضر، ومع الأخذ بنظر الاعتبار الوضع الذي كان سائداً في الجزيرة العربية قبل الإسلام، فإنّ القوانين الدينية والأحكام الإسلامية، أوجَدت تغييراً ملحوظاً في سياق الحقوق الاجتماعية والاقتصادية للمرأة، ووقفت ضدّ الممارسات غير اللائقة بحقّها؛ لكن، لا يخلو الأمر من أنّ هناك من الأزواج في المجتمع الإسلامي كما في غيره مَن يتعامل بوحشية مع زوجته وفاقاً لطبيعته النفسية وبنائه الوجداني، حتى تصل النوبة إلى الضرب المبرّح، ووجود مؤسسات الإغاثة الغربية والأمريكية التي تستقبل النساء اللواتي يعانين من ظلم أزواجهن دليلٌ على وجود هذه المشكلة (ظلم المرأة) التي هي مشكلة العالم ولا ترتبط بمكان دون آخر.
كما قلنا من قبل: إنّ المسؤولية الاقتصادية للأسرة تقع على عاتق الرجل، حتى وإن كانت الزوجة غنية، ولابدّ من النظر إلى الحُكم القرآني بإعطاء الرجل ضعفَ ما تُعطى المرأة في الإرث بأنّه حُكم ناظر إلى مسؤولية الرجل في تأمين الحاجيات المادّية للأسرة، وإنّ المرأة حرّة في التصرّف في أموال الزوج والانتفاع منها بحدود المعقول.
إنّ قيمومة الرجل على المرأة التي وردت في الآية الكريمة: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ) (النساء/ 33) يُفهم منها القيمومة الاجتماعية والاقتصادية، وليس القيمومة على كلّ حياة المرأة، وحتى شهادة المرأة واعتبار أنّ شهادة رجل واحد تعادل شهادة امرأتين، إنّ البعض من الفقهاء يحدّد هذه المسألة في موارد الشهادات والجرائم، ولا تشمل كلّ أنواع الشهادات.
والقرآن في هذا الحُكم يبيّن الطبيعة العاطفية لدى المرأة، وليس في صدد تحقيرها أو التقليل من شأنها، ولا يُوجد في المصادر الإسلامية حُكمٌ يمنع المرأة من العمل وأخذ الأجرة عليه، وفي المجتمع الإسلامي، كانت المرأة دائماً إلى جانب الرجل، في أعمال الزراعة، وفي كثير من الفنون والصناعات، وإلى اليوم، إنّ أكثر السجّاد في الدول الإسلامية تقوم بحياكته النساء.
وقد أعطى الإسلام المرأةَ الاستقلالية الاقتصادية، إذ تستطيع المرأة أن تستقل مادّياً حتى عن زوجها، وعلى هذا أصبح أغلب تلك النساء، وعلى مدى القرون يمتهنَّ التجارة، كخديجة زوج النبيّ (ص)، على هذا المنوال فإنّ الأصل هو عدم المانع دخول المرأة المسلمة في المعترك السياسي.
وفي ما يرتبط بالتعليم، جاء عن النبيّ (ص): "إنّ طلبَ العلم فريضةٌ على كلّ مسلمٍ ومسلمة"، لكن على امتداد التاريخ الإسلامي كانت الفتيات المسلمات يكتفين بدارسة دورة قرآنية فقط، وكانت القليلات منهنّ يصلْنَ إلى مراتبَ عالية في الدراسة، ولم تكن تلك الظاهرة وليدة التعاليم الإسلامية، بل كانت الأوضاع الاجتماعية تقتضي ذلك، وقد تصل المرأة في التعليم والمعرفة إلى مصافّ العلماء في التعليم.
إنّ نظرة الإسلام إلى المرأة تجعلنا نعود إلى مسألة الحجاب، وقديماً كان لدى الغرب انطباع مشوَّهٌ ومحرّف عن العالم الإسلامي، تكون المرأة فيه محجّبة ومحتشمة خارج البيت، ومبتذلة وخليعة مضطجعة إلى جانب مسابح البيوت، وقد صوّر ذلك المستشرقون في لوحات ورسوم في القرن التاسع عشر، غير أنّ هذا التصوير يرتبط بالإضرابات التي حدثت في الغرب ضد القيود الجنسية التي فُرضت في عصر (فكتوريا)، والتي تعود إلى البرنامج الجنسي في المسيحية، مع هذا فإنّ تلك الصور لنساء مسلمات تعود لمجتمع متغرّب، غير صحيح أساساً وفي مراحل الاستعمار، كان الغربيون يعدّون الحجاب رمزاً لمظلومية المرأة، والحطّ من منزلتها وكان يوافقهم في ذلك أهل الحداثة (الإصلاحيون) من الخط الإسلامي.
وإنّ القرآن الكريم يأمر الرجل والمرأة بلباس الحشمة (التحجب) وأن لا يُظهرَ كلٌّ منها أعضاء بدنه، وقد اعتبر النبيّ (ص)، الحياءَ من الخصوصيات المهمّة في شخصية المسلم، وأمرالإسلامُ المرأةَ أن تخفي زينتها (الزينة بمعنى الشعر والبدن)، وعلى أساس ذلك ظهر الكثير من موديلات الألبسة في نواحٍ مختلفة من العالم الإسلامي، وإن كان البعض منها يعود إلى المجتمعات القديمة - قبل الإسلام في الشرق الأدنى - وفي المجتمعات الأولى لليهود والمسيحيين تعمل المرأة على تغطية شعرها، وحتى على مستوى الفنون فإنّ الفنانين الغربين يعمدون إلى إظهار مريم العذراء في فنّ الرسم محجّبة، وإلى مدّة ليست بعيدة كانت المرأة المسيحية الأرمنية والكرجية، والمرأة اليهودية والشرقية تغطي شعرها كالمرأة المسلمة.
وكانت تغطية الشعر من العادات الطبيعية في حياة النساء، وهي تمثل التواضع والاحترام لله عزّوجلّ، وحتى في الغرب، وإلى ما يقارب جيلاً واحداً، كانت نساء الكاثوليك لا يأتينَ إلى الكنيسة حتى يقمْن بتغطية شعورهنّ. ثمّ مَن قال: إنّ كشف الرأس موجب لحرّية المرأة أكثر من الحجاب؟
إنّ مسألة الحجاب، والكثير من الموضوعات المرتبطة بالتعليم والتربية والقانون، وكثيراً من القضايا المهمّة، أصبحت مَورداً لاهتمام مجموعة من النساء المسلمات اللواتي يتطلّعن إلى مجتمع على غرار النموذج الغربي القابل للتغير دائماً، وقد وضعْنَ أيديهَنّ بأيدي دُعاة المساواة بين الرجل والمرأة الغربيين، من أجل تخريب المجتمع الإسلامي وتحويله إلى مجتمع لا دينيّ.
وللأسف، إنّ دُعاة المساواة في الغرب غير مستعدين لفهم الفلسفة الأساسية للعلاقة بين الرجل والمرأة في الإسلام، وفي المجتمعات غير الغربية. كما أنّهم غير قادرين على تقديم بديل واضح عن ذلك له معنى ومفهوم تقبله المرأة المسلمة.
وفي العقدين الأخيرين ظهرت في بعض المجتمعات الإسلامية حركات نسائية جديدة تطالب بحقوق المرأة، وتعتقد أنّ هذه الحقوق تتطابق مع القرآن والسُّنة، وإلّا أنّ الآداب والرسوم والأعراف المحلّية، حالت دون تحقّق هذا الأمل. وهذا المبدأ في المساواة بين الرجل والمرأة حسب الطرح الإسلامي أنسبُ من المبدأ الغربي في ذلك لأنّ أغلب النساء اللواتي يطالبنَ بالمساواة هنّ نساء مؤمنات يفعلنَ ذلك في إطار الرؤية الإسلامية. ومن جهة أخرى، فإنّهن أدرى بمشاكلهن الحقيقية من نظيراتهن الغربيات.
وعلى أيّ حال، إنّ مسائل المرأة في التعليم والحقوق القانونية ومشاركتها وفعاليتها في السياسية واحدةٌ من أعقد المسائل التي ابتُلي بها العالم الإسلامي.
ويسعى المجتمع الإسلامي إلى حلّ هذه المسألة على أساس الآداب والرسوم الإسلامية في أجواء تتسم بالضغوط الغربية.
المصدر: كتاب قلب الإسلام قيم خالدة من أجل الإنسانية
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق